*       قصص وعبر *

قال تعالى((لقد كان في قصصهم عبرةً لأولي الألباب))1

 


توبة رجل عاصٍ على يد ابنه الأصم

هذه القصة من عجائب القصص ولولا أن صاحبها كتبها لي بنفسه ماظننت أن تحدث  يقول صاحب القصة وهو من أهل المدينة النبوية أنا شاب في السابعة والثلاثين من عمري متزوج ولي أولاد إرتكبت كل ماحرم الله من الموبقات أما الصلاة فكنت لا أؤديها مع الجماعة إلا في المناسبات فقط مجاملةً للآخرين والسبب أني كنت أصاحب الأشرار والمشعوذين فكان الشيطان ملازماً لي في أكثر الأوقات كان لي ولد في السابعة من عمره اسمه مروان أصم أبكم لكنه كان قد رضع الإيمان من ثدي أمه المؤمنة كنت ذات ليلة أنا وابني مروان في البيت كنت اخطط ماذا سأفعل أنا والأصحاب وأين سنذهب كان الوقت بعد صلاة المغرب فإذا بابني مروان يكلمني بالإشارات المفهومة بيني وبينه ويشير لي لماذا ياأبتي لاتصلي؟ ثم أخذ يرفع يده إلى السماء ويهددني بأن الله يراك وكان ابني في بعض الأحيان يراني وأنا أفعل بعض المنكرات فتعجبت من قوله وأخذ ابني يبكي أمامي فأخذته إلى جانبي لكنه هرب مني وبعد فترة قصيرة ذهب إلى صنبور الماء وتوضأ وكان لايحسن الوضوء لكنه تعلم ذلك من أمه التي كانت تنصحني كثيراً ولكن بدون فائدة وكانت من حفظة كتاب الله ثم دخل علي ابني الأصم الأبكم وأشار إلي أن أنتظر قليلا فإذا به يصلي أمامي ثم قام بعد ذلك وأحضر المصحف الشريف ووضعه أمامه وفتحه مباشرة دون أن يقلب الأوراق ووضع إصبعه على هذه الآية من سورة مريم(يأبتي إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً) ثم أجهش بالبكاء وبكيت معه طويلاً فقام ومسح الدمع من عيني ثم قبل رأسي ويدي وقال لي بالإشارة المتبادلة بيني وبينه مامعناه صلِ ياوالدي قبل أن توضع في التراب وتكون رهين العذاب وكنت والله العظيم في دهشةٍ وخوف لايعلمه إلا الله فقمت على الفور بإضاءة أنوار البيت جميعها وكان ابني مروان يلاحقني من غرفة إلى غرفة وينظر إليّ باستغراب وقال لي دع الأنوار وهيا إلى المسجد الكبير ويقصد الحرم النبوي الشريف فقلت له بل نذهب إلى المسجد المجاور لمنزلنا فأبى إلا الحرم النبوي الشريف فأخذته إلى هناك وأنا في خوف شديد وكانت نظراته لاتفارقني ألبتة ودخلنا الروضة الشريفة وكانت مليئة بالناس وأقيم لصلاة العشاء وإذا بإمام الحرم يقرأ من قول الله تعالى (يأيها الذين آمنوا لاتتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته مازكى منكم من أحدٍ أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميعٌ عليم( { النور 21} فلم أتمالك نفسي من البكاء ومروان بجانبي يبكي لبكاءِ وفي أثناء الصلاة أخرج مروان من جيبي منديلاً ومسح به دموعي وبعد إنتهاء الصلاة ظللت أبكي وهو يمسح دموعي حتى إنني جلست في الحرم لمدة ساعة كاملة حتى قال لي ابني مروان خلاص ياأبي لاتخف فقد خاف علي من شدة البكاء وعدنا إلى المنزل فكانت هذه الليله من أعظم الليالي عندي إذ ولدت فيها من جديد وحضرت زوجتي وحضر أولادي فأخذوا يبكون جميعا وهم لايعلمون شيئاً مما حدث فقال لهم مروان أبي صلى في الحرم ففرحت زوجتي بهذا الخبر إذ هو ثمرة تربيتها الحسنه وقصصت عليها ماجرى بيني وبين مروان وقلت لها أسألك بالله هل أنتِ أوعزتِ له أن يفتح المصحف على تلك الآية ؟ فأقسمت بالله ثلاثاً أنها مافعلت ثم قالت لي احمد الله على هذه الهداية وكانت تلك الليلة من أروع الليالي وأنا الآن ولله الحمد لاتفوتني صلاة الجماعة في المسجد وقد هجرت رفقاء السوء جميعاً وذقت طعم الإيمان فلو رأيتني لعرفة ذلك من وجهي كما أصبحت أعيش في سعادة غامرة وحب وتفاهم مع زوجتي وأولادي وخاصةً ابني مروان الأصم الأبكم الذي أحببته كثيراً كيف لا وقد كانت هدايتي على يديهِ

أخوكم: أبو مروان    المدينة المنورة

             من كتاب العائدون إلى الله 6

 

قاتل المئة يتوب إلى الله

رجل عشق الإجرام وسفك الدماء أحاطة به الشرور والآثام إحاطة السوار بالمعصم حتى بلغ عدد الذين امتدت إليهم مخالبه وقتلهم تسعة وتسعين وياس الناس من توبته وهدايته فهو لا يعيش بلا فساد أو جريمة فذلك له كالماء للسمكة لاتحيا من دونه وكل من يراه أو يسمع به يحس أنه تعرف على وحش مفترس لا مكان في قلبه لذرة خير أو رحمة فالخير كل الخير في اجتنابه والبعد عنه وعن النصح له وفي يوم من الأيام راجع الرجل سجل حياته فوجده سجلاَ أسود ليس فيه مثقال حبةٍ من صلاح وقال في نفسه كم فجعت أولاداً بآبائهم وكم من رجل قتلته كان يعيل أسرته وكم من أسرة مزقت رباطها وجعلتها تعاني من نكبات الدهر ومصائبه إن ماقمت به لاتقوم به وحوش الغاب مجتمعةً وويلي من عذاب الله يوم لاينفع مالُ ولا بنون واستيقظ ضميره ورنّت بين مسامعه صرخات المعذبين وآهات المظلومين ودموع المفجوعين ولايدري كيف سقطت من عينه دمعةٌ تتكلم بلسانه فتقول كم أرجو أن يتوب الله علي وهل لي في توبةٍ حقاً ؟ وكيف لي أن أعرف الحقيقة ؟ ومضى الرجل يسأل من حوله من أعبد أهل الأرض وأتقاهم وأطهرهم؟ وجاءته الأجوبة من كل الجهات تقول هناك راهب في جبل كذا انقطع عن الناس وتخلى عن الدنيا وأشغالها وترك لذائذها وزهد في كل خيراتها واتجه إلى الله تعالى بأعماله طمعاً في مرضاة الله وسرعان ماكان الرجل أمام الجبل حيث انفرد العابد في صومعته وصعد إليه على عجل يقول له صباحك سعيد والسلام عليك أيها الراهب قال الراهب مندهشاُ أهلاً بك مالذي جعلك تتحمل المشاق وتتأتي إلي؟ وأنا الذي آثرت الوحدة وفضلت معاشرة الوحوش والجوارح على معاشرة الناس؟ كيف وصلت إلي؟ وماذا تريد؟ قال الرجل أتيت إليك أيها الراهب لأعرض أمري فأنا رجلٌ قد قتلت تسعة وتسعين نفساً بريئةً وأريد أن أكفر عن آثامي كلها وأعلنتها توبةً إلى الله نصوحاً فهل يقبل الله توبتي ؟ وليت العابد سكت ولم ينطق فقد أجاب الرجل بما ليس من الحقيقة في شيء وكذا كل عابد جاهل بأمور دينه يسيء إلى الآخرين وإلى نفسه من حيث يريد أن يحسن صنعاً قال الراهب غاضباً ماذا تقول أيها الشرير؟ قتلت هذا العدد الكبير من الأبرياء ثم تأتي إلي تلتمس التوبة؟ ! اذهب فلن يقبل الله توبتك ولو شربت ماء البحر كله ولن تجد للتوبة سبيلاُ ولو سجدت ليلك ونهارك ماحييت فالشر قد تجسد فيك أيها المجرم ولن تتخلى عنه أو يتخلى عنك وانه لأهون لك أن تُدخل الجمل في ثقب إبرة من أن يستجيب الله لك أو يغفر جرائمك إبتعد عني ولا ترني وجهك وقبح الله أمثالك هيا واستدر نحو باب الصومعة وعد من حيث أتيت جمد الرجل في أرضه وثار بركان شر في أعماقه فاستل خنجره وقدّم به هديةً للراهب إعتاد أن يقدمها إلى من يتضايق منهم دون إمهال وسرعان مااستقرت الطعنة في قلب الراهب وهو يسمع كلمات الرجل هاقد أصبح العدد مئة يامن أغلقت باب التوبة في وجهي وعاد إلى قريته ليقص على من دلوه قصته مع أعبد أهل الأرض وجلس في بيته يعتصره الهم والتفكير وأنى له أن يجد الراحة وقد قتل المائة !!؟ ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عالم نادر الوجود في زمانه ويعتبر فريد عصره وأوانه ولما صل إليه قال السلام على عالمنا الجليل وقد طويت الأرض حتى وصلت إليك وقد سمعت عن علمك ودرايتك بأمور الدين وهأنذا أعرض عليك قصتي عسى أن تجد لي من ضيقي مخرجا فاليأس كاد أن يقتلني أكاد أشعر أن رحمة الله تسعني وهي أكبر من ذنوبي كلها لاتسد علي باب الرحمة أيها العالم إن كلمة طيبة تجلو همي وتزيل حزني وتغسل شروري وراح الرجل يقص على العالم حكاية عمره ويقول إني قتلت مائة نفس وأعرف أني إرتكبت جريمةً كبرى لاتغتفر لكنني في شوق إلى لقاء ربي وهو غافر لذنوبي وإني لأطمع في غفران رب العلمين ومن يغفر الذنوب إن لم يغفرها الله؟ أفيقبل الله توبتي أيها العلم ويصدق حدسي وظني بالغفور الرحيم؟ كان العالم يتابع أمارات وجه التائب فيقرأ فيه معاني العزم والتصميم ويرى في عينيه شعلة الإيمان تتوهج ويقرأ في نظراته الندم على مافرط في جنب الله ويسمع في صوته نبرات الصدق والتوبة والإخلاص وهنا إبتسم العالم وقال مهتدياً بنور العلم وماذا يمنعك من التوبة النصوح أيها الرجل؟ وإن الله ليغفر الذنوب جميعاً بل هو وحده الذي يغفرها ولو بلغت ذنوبك قد أمواج البحر وقطرات المطر وذرات الرمال وورق الشجر فاهنأ واطمئن بالاً ومادامت بين أضلاعك هذه النفس التي تبحث معك عن الخير فأنت في خير توجه إلى الله وقل له اللهم أنت ربي لاإله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك مااستطعت أعوذ بك من شر ماصنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفرلي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت قال الرجل التائب وعيناه تفيضان بالدمع الغزير فرحاً بما سمع أيها العالم زرعت زنابق الأمل في قلبي وفتحت أمامي باب الأمل والرجاء إسمح لي أن أقبل رأسك وأنا أشهد أمامك أني تبت توبة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم ثم سأل الرجل هذا العالم عما يجب أن يفعله فأجابه عليك من الآن أن تبحث عن أهل التقوى والصلاح والعلم فتصاحبهم وتجالسهم وأن تجانب أهل المعاصي وتغادر قريتك اللتي أنت فيها فلا خير في البقاء في أرض السوء وأنصح لك أن تنطلق في إلى قريةٍ في المشرق فيها قوم صالحون يعبدون الله تغالى ويدعون ربهم آناء الليل وأطراف النهار  فأعبد الله معهم ولاتفارقهم عسى أن تدخل الجنة التي تسعى إليها فتكون مع الصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فأنطلق التائب بأقصى مايملك من سرعة بنفس تواقة إلى لقاء أحبة الله تعالى من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ورضي الله عنهم ورضوا عنه ولما كان في وسط الطريق وافته المنية وأسلم روحهُ لله بنفس راضيةٍ مطمئنةٍ وتقبل الله توبة عبده وأحب أن يباهي به الملائكة  فالله قد فرح بتوبة هذا العبد أكثر من فرحة العبد بنفسه فكيف لايقبل توبتهُ ويتباهى به أمام ملائكته !! ونزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب تجتمع حول الرجل الميت فقالت ملائكة الرحمة:جاء الرجل تائباً إلى الله تعالى ومقبلاً بقلبه وجوارحه فهو من المؤمنين حقاً وقالت ملائكة العذاب:أهذا من المعقول ؟ إنه لم يعمل خيراً قط فهو من العاصين ولم يبدأ حياة الخير  وبينما هم في الحوار أرسل الله إليهم ملكاً على هيئة آدمي يحكم بينهم فارتضوه حكماً فقال لهم :قيسوا مابين الأرضين(القريتين) فإلى أيهما كان أقرب فهو له فأوحى الله إلى أرض الشر أن تباعد وإلى أرض الخير أن تتقرب فكان الرجل إلى القرية الصالحة أقرب بشبرٍ واحد  فاحتضنته .ملائكة الرحمة وبدل الله سيئاته حسنات

من كتاب: قصص وأزهار من الروض النبوي 

الملك والغلام المؤمن

جلس الملك على عرشهِ كالطاووس والشرر يتطاير من عينية والجند خائفون بين يديه فهو يملك قلباً كالحجارة أوأشد قسوةَ هز الملك راسه علامة السماح للساحر أن يمثل أمامه فدخل الساحر ووقف بين يدي الملك ذليل النفس خافض الرأس قائلاً:أشكر مولاي لسماحه لي بمقابلته ... وقد جئت لأبلغك أني غدوت ضعيف الجسم واهن العظم .. وأخاف إن مت أن يموت السحر مع ي .. فليأمر مولاي بغلام ذكي أعلمُهُ السحر ومبادئه . قال الملك:شكراً لك أيها الساحر لقد أفنيت عمرك في خدمتي وكنت وفياً مخلصاً وسأنفذ رغبتك.وصدر الأمر الملكي بالبحث عن مطلب الساحر فوقع الإختيار على غلام يافع ، جميل الوجه دائم الإبتسامة طيب النفس حاد الذكاء . نظر الساحر إلى الغلام نظرةَ فاحصةً متأملةً وحاوره بعض المحاوره ، فعلم أن هذا الغلام كنزٌ ثمين ، فقال : قد أحسنوا في اختيارك .. وأني لأراك راجح العقل سديد الرأي نامي الفكر متفتح القلب .. وأرجوا أن يصدُقظني بك. وأخذ الغلام يتردد على الساحر يتعلم منه مباديء السحر وهو كارهٌ لهذا العمل غير راضي عن هذه المهمة لكنه أمرُ الملك الظالم ولا يستطيع أن يعصي له أمراً. وفي الطريق إلى الساحر كانت نداءات خجلى لراهب في صومعنه تستثير سمع الغلام كي يُصغي ويعي مايرادُ به من الخير . وأحب الغلام أن يقابل هذا الراهب ويفتح قلبه لنصائحه .. وكم كانت نفسهُ ترتاح لصفاء العابد العالم ونقائه وحلو موعظته. وغدا الصغير يتوقف كل يوم عند محطة الخير يتزود منها ويدخر مايصلح لدنياه ولآخرته وللناس أجمعين مُخفياً أمره على الساحر حتى لا يوقع به سوءاً . وطلب منه الراهب المؤمن أن يكتم ذلك حتى يأذن الله بأمراً كان مفعولا .. ونعم ماصنع. ومع مرور الأيام اشتدت الحيرةُ على الغلام فإلى متى يبقي خائفاً من القصر والساحر والظلم؟ وكيف يستطيع أن يهجر الساحر إلى الأبد؟ هاهو ذا يرى من بعيدٍ حشداً كبيراً من الناس .. لايستطيع أحدٌ منهم أن يتابع طريقهُ ماالأمر ياترى؟ إقترب فلمح دابةً مخيفةَ الشكل سدت عليهم الطريق وكادت تهلكهم فزعاً ورعباً.. فأخذ حجراً صغيراً من الأرض وقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فأقتل هذه الدابة. ثم رماها فقتلها فتعجب الناس من فعلته وأخذوا يتجمعون حوله فهرب إلى الراهب يخبرُه بما حدث وقلبُهُ يكاد يخرجُ من صدره وماكان من الراهب إلا أن هدّأ الغلام وهو يقول له: اي بني ..أنت اليوم أفضل مني .. وقد بلغ من امرك ماسمعت .. فاعلم أن الله معك وأن المؤمن مبتلى ، وربما مسّكَ مكروهٌ ..فكن ثابت القلب صابراً .. وإياك أن تدُل علي.أسأل الله أن يكون في عونك. وازداد الغلام إيماناً ، وعلت مكانته في أعين الناس ، فقد أصبح بإذن الله يبريء الأكمه (الذي ولد أعمى) ويشفي الأبرص وغيرهما. وسمع جليس الملك بأمر هذا الغلام فأتى بهدايا كثيرة وانطلق إليه وقال: إنني أعمى كما ترى، وإن أنت شفيتني ورددت بصري فلك هذه الهدايا جميعها. قال الغلام أنا مثلك لا أستطيع شفاء أحدٍ وإن الذي يشفيني ويشفيك هو الله تعالى فإن آمنت بالله عز وجل دعوته لك وهو يشفيك وكم كانت فرحة الجليس كبيرةً عندما شفاه الله تعالى بعد أن اعلن شهادة التوحيد فخر من فوره ساجداً لله ودخل الرجل على الملك فجلس إليه كما كان يجلس ودهش الملك حينما وجد جليسه مبصراً فقال له من رد عليك بصرك؟ قال الرجل المؤمن الله ربي ردَ علي بصري فأستشاط الملك غضباً وهو يصرخ به أو لك ربٌ غيري؟ أخبرني عن الذي جعلك تعتقدُ بإلهس غيري ولم يزل يعذبه حتى دل على الغلام الصغير وأمر الملك أن يؤتى بالغلام فجيء به وقال له يابني أو قد بلغ من سحرك الذي تعلمته عندنا أن تبرأ الأكمه والأبرص وتفعل مالايصدق من شفاء المرضى؟‍‍ قال الغلام إنني لاأشفي أحداً وليس للسحر أثرٌ في الشفاء وماكان لغير الله أن يشفي الناس من أمراضهم وهنا صرخ الملك سأعلمك أن تكون مؤدباً مع ربك أنا ربك ياهذا ولارب غيري ولابد أن تدلني على الذي أفسد عقلك ودلك على هذا الزعم ولم يزل يعذبه حتى دل على الراهب وأسقط في يد الملك لقد كان أخشى مايخشاه أن يعبد الناس رباً غيره وهذا يعني وعي الجميع وفقدانه ملكه ولم تكن أوامر الملك لتتأخر في طلبٍ مستعجل : أحضروا الراهب ولما مثل الراهب أمام الملك كانت تهديدات الإستكبار تحيط به فقال أنت إذن رأس الفتنة أتريد من الناس أن يعصوا أوامري أتزعم أن هناك رباً غيري إرجع عن هذه الفكرة وإلا فالموت في إنتظارك أبى الراهب هذا التهديد فقال آمنت بالله رباً ولن تستطيع بإجرامك وبطشك أن تزحزح عقيدتي فافعل مابدا لك وماهي إلا دقائق حتى دعا الملك بالمنشار فوضع في مفرق رأس الراهب المؤمن فشقه نصفين حتى وقع شقاه وما رده ذلك عن دينه وصوابه ثم أمر بجليسه فقال له أمضيت ُ معك وقتاً طويلاً وأنت صاحبي ونصيحتي لك أولى بأن تأخذ بها فأرجع عن دينك وأبقى على صحبتنا  فأبى الرجل ففعل به مثل مافعل بالراهب حيث وضع المنشار في مفرق رأسه فشقه نصفين وما كان ذلك ليرده عن دينه ثم أمر بإحضار الغلام وأخذ الملك يخاطبه بلهجة يظهر فيها العطف عليه إرجع عن دينك يافتى وحرام على صغير مثلك أن يهلك نفسه في عقيدةٍ فاسدة لاتحرم نفسك من زهرة شبابك وعد إلى دين آبائك وأجدادك ولم يتراجع الغلام عن دينه الصحيح على رغم مما رآه من مصرع الراهب والجليس فقال للملك آمنت بالله رباً ولارب لي غيره وأصنع بي ماشئت فأمر جماعةً من أصحابه أن يذهبوا به إلى جبلٍ مرتفع فإذا ماوصلوا به هددوه وأنذروه فإن رجع عن دينه فقد تم للملك ماأراد وإلا فلا نهاية له سوى الموت ليكون عبرةً لمن يعتبر وهناك في أعلى الجبل دعا الغلام ربه اللهم أكفينيهم بما شئت فرجف بهم الجبل وأضطرب فسقطوا وعاد المؤمن الصغير ثابت الخطا مرفوع الرأس ودخل على الملك الظالم فنظر إليه حائراً مدهوشاً صاح الملك بالغلام غاضباً عجباً لأمرك وأين الذين أرسلتك معهم ؟ قال الغلام كفانيهم الله تعالى إهتز الجبل فهلكوا أبعد الله عن ي جريمتهم التي أمرتهم بها غيظَ الملك وأشتد حنقه فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه وقال إذهبوا به فاحملوه في زورق فتوسطوا به البحر وأقذفوه ليبتلعه الماء ويكفينا شره وهناك بين الأمواج دعا الصغير ربه فأستجاب الله دعاءه وغرق كل من كان معه وعاد وحده ثابت اليقين واثقً من عون الله له ومل أحلى جوابه للملك كفانيهم الله تعالى فأصبحوا طعاماً للأسماك وكاد الملك يتشقق من غيظه وصاح به الغلام تملؤه الثقه بالله أيها الملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ماامرك به فصاح الملك بلاتردد سأنفذ ماتقوله قال الغلام بصوت مرتفع تجمع الناس في أرضٍ بارزةٍ واسعةٍ وتربطني غلى جذع نخلة ثم تأخذ سهماً من كنانتي وتضع السهم في القوس وتقول بسم الله رب الغلام وترميني بالسهم فإنك إن فعلت هذا قتلتني قال الملك رضيت بذلك وجمع الناس في مكانٍ واحد وربط الغلام وأمسك بسهمٍ ثم وضعه في قوس . لقد نفذ الملك الشروط كلها ثم قال: بسم الله رب الغلام . وينطلق السهم ليستقر في صدغ الغلام المؤمن معلناً إستشهاده رأى الناس بأم أعينهم صدق الغلام فلم يتأخر أحدهم عن النطق بأجمل كلمةٍ ينطقُ بها لسان : آمنا بالله رب الغلام. وماأعظم مانزل بالملك من همٍ وغمٍ فقد وقع ماكان يحذروه وآمن الناس كلهم ولم يستطع الجنود ولا الأعوان أن يجدوا حلاً مناسباً يردون به الناس عن الحق .. ولم تفلح أساليب الإغراء كلها في إبعادهم عن الإيمان  بالله رب الغلام. وحار الملك في أمره وأتاه بعضُ أصحابه وقالوا له : أرأيت ماكنت تحذر؟ قد نزل بك حذرك..قد آمن الناس فأمر أن تحفر أخاديد(شقوق) عظيمة في الأرض وتملأ بالحطب  وتضرم بها النيران وقال لأعوانه: من لم يرجع عن دينه من المؤمنين فألقوه في النار رغماً عنه أو مُروه أن يلقي بنفسه. وجاء دور امرأة تحمل رضيعها بين يديها وما أن وصلت إلى حافة الأخدود حتى أشفقت على الصغير من النار فأنطق الله ولدها (اصبري ياأماه فإنك على الحق) فتلقتهما الملائكة وحملتهما إلى جنةٍ أُعدت للصابرين.

من كتاب : قصص وأزهار من الروض النبوي

وأنتظروا المزيد     

الصفحة الرئيسية